موضوع: البوقالات .............من العادات و التقاليد الجزائرية الثقافية الأحد فبراير 07, 2010 9:58 am
بسم الله الرحمان الرحيم. السلام عليكم حبيت اني اطرح عليكم هذا الموضوع واتمنى ينال اعجابكم يا رب.
لا تحظى أية لعبة تسلوية في الجزائر بالشعبية الكبيرة التي تحظى بها لعبة «البوقالة»، و تزداد شعبيتها كلما حل الشهر الكريم شهر رمضان ، إذ تعود لتحتل مكانتها الحميمية وسط النسوة في سهراتهن فوق أسطح القصبة العتيقة أو في وسط دويرتها ومنازهها وأفنيتها . فتجتمع النسوة في بيوت العاصمة الجزائر وحدها دون غيرها من مدن القطر حول أطباق البقلاوة وقلب اللوز وأكواب الشاي الأخضر والقهوة، و تسترسل تلك التي تحفظ البوقالات على ظهر قلب في تلاوة أشعارها قبل أن تغرق المدينة في سباتها وتعود كل واحدة إلى دويرتها وهي تتأمل في أن يتحقق الفال الجميل الذي كان من نصيبها .
وتحرص العا******ات من النساء على المداومة على لعبة البوقالة كل سهرة رمضان، إذ تجدهن يسرعن ترتيب المطبخ وإعداد سينية الشاي الأخضر بالنعناع، وتحضير الأجواء المناسبة لهذه اللعبة رغبة منهن في التأمل خيرا من الأبيات الشعرية الرقيقة والعذبة التي تتلى على مسامعهن من عجائز ومتزوجات .
وليست هذه اللعبة التراثية سوى أشعار شعبية جزائرية تشكل أساس ما يعرف منذ التاريخ القديم بالعاصمة الجزائر ب «البوقالة»، تشاع في الأوساط العائلية النسوية ، وغالبا ما يكون فحواها حول الحب العفيف والحزن على فراق الأحباب والخلان والأمل بعودتهم . وتتطلب لعبة البوقالة تحضير الأجواء الحميمية الملائمة التي تساعد المشاركات فيها على فتح مخيلتهن وفسح خواطرهن وشرح صدورهن للفال الطيب والأمل والرجاء والحلم.
ولعل أهم ما يميز هذه اللعبة هو ضرورة أن تعقد النساء المستأنسات بمقاطعها الشعرية اللطيفة المعنى، ما يسمى ب «الفال»، ومعناه أن تعقد المرأة النية داخل قلبها بالتفكير في شخص من الأشخاص زوجا كان أو إبنا أو أخا بعيدا أو أما أو في أي من الأصفياء والأحباب بل حتى في الأعداء والخصوم، بمحاولة إسقاط معنى أبيات البوقالة الموجهة لها، على شأن الاسم الذي نوته، مع الرجاء أن يتم ذلك حقا.
ومن أساسيات «البوقالة» أن لا تنال المرأة حظها من الأبيات الشعرية إلا بعدما تمسك بجزء من خمارها أو تنورتها أو أي قطعة قماش أمامها وتصنع منها عقدة صغيرة مرة واحدة قبل أن تفتح هذه العقدة بعد الاستماع إلى البوقالة والكشف إن أرادت عن اسم الشخص الذي أسقطت عليه هذا الفال.
وتأخذ لعبة البوقالة تسميتها من الإناء الفخاري المعروف باسم «بوقالة»، الذي كان وما يزال يستخدم في هذه اللعبة، بعد أن يتم ملؤه بقليل من الماء يرفق ب «الكانون» أو «النافخ» للتبخير بكل أنواع البخور من جاوي وعنبر والألّوة.
وبدأت لعبة البوقالة تأخذ طريقها إلى الزوال سنة بعد أخرى منذ نهاية الستينات قبل أن يعاد لها الاعتبار في الخمسة رمضانات الأخيرة بالأخص بعد خروج الجزائر من مأساتها الوطنية، إذ عادت بعض الأوساط العائلية في الجزائر العاصمة بالأخص في أحيائها الشعبية بالقصبة وباب الوادي وباب عزون وبلكور وسالم باي لتهتم ثانية بهذه اللعبة لكن بتجريدها للأسف من بعض الجزئيات التي تصنع خصوصيتها، إذ جردت بعض العائلات لعبة البوقالة من الإناء الفخاري ومن بعض الشكليات ولم يحتفظوا إلاّ بتلاوة الأشعار التي تحفظها النساء والفتيات على ظهر القلب، والنظر والتأمل في معانيها والاستمتاع برونقها .
ولعل أهم ما يجب ذكره بخصوص هذه اللعبة أن قائلها أو قائلتها يظلان مجهلين، إذ لم يتمكن أي باحث إلى يومنا هذا بالرغم من الجهود التي بذلت في هذا الشأن من تحديد هوية مؤسس هذه اللعبة بما في ذلك تاريخ نشأتها ومكانها وأصل الأبيات المتلوة فيها .
وكان أول من اهتم بلعبة البوقالة من حيث تتبع تاريخها واستنباط أهدافها الباحث الجزائري قدور محمصاجي المنحدر من الأسر العاصمية العريقة التي تربت وترعرعت في قلب القصبة العتيقة، وأعد محمصاجي حصصا قائمة لذاتها حول هذه اللعبة في الإذاعة الجزائرية مطلع السبعينيات إلى الثمانينيات ولقد حرص الباحث الذي أصدر كتابا حول هذه اللعبة العام 1989 باللغة الفرنسية بعنوان «لعبة البوقالة .. مساهمة في معرفة أحسن لهذه التسلية التربوية والشعبية» على تنبيه جمهور المستمعين إلى أنه لا يحق اعتبار اللعبة ضربا من حصص التكهن والشعوذة والتدجيل والعرافة عن طريق الماء (الهيدرومنسيا) استنادا إلى بعض المظاهر والشبهات.
وتبقى البوقالة التي سعى الكثير من الباحثين إلى تهذيب لغتها والإرتقاء بها من الدارجة والعامية إلى العربية السهلة، كما سعوا إلى تنقيتها من الأبيات التي تتضمن دعاء موجها للأولياء الصالحين الناجم عن جهل العوام، بحيث تكون لها معنى مستقيم لا يخدش الشعور التوحيدي القاطع الذي يقوم عليه الإسلام، تبقى جزءا هاما من تراث شفوي جزائري زاخر بالجواهر الأدبية الشعرية من أمثال وحكم وأغان وقصائد وتعابير وأحاجي .
ولا تكتمل الصورة حول لعبة «البوقالة» إلا بعد تقديم نماذج من أبياتها الشعرية التي تتنوع تبعا لتنوع الحالة والمقام، ولا تسترسل النسوة في تلاوة هذه الأشعار ما لم تبدأ بالتعويذة والصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) لافتتاح جلسة البوقالة وهذا نموذج منها :
باسم الله بديت
وعلى النبي صليت
وعلى الصحابة رضيت
وعيّطت يا خالقي
يامغيث كل مغيث
يارب السماء العالي
ومن البوقالات التي تقال تعبيرا عن هّم الإرتباط بالقريب من ابن عم أو خال أو عمة ما يلي :
راني راني
في وسط جناني
السرّ والبهاء
ريته بعياني
راني راني
حالفة بالرباني
هذه المرة
ما نأخذ غير البراني (الغريب)
وهنا نموذج من بوقالة تقال في حسن جمال المرأة وطلب القرب منها :
يا لالّتي (سيدتي) فاطمة يالالّتي فطوم
سبحان خالقك
ريت النجوم في السماء
حسبتهم ساقك
العين تبكي عليك
والقلب مشتاقك
نموذج من بوقالة تقال في استقبال الغائب:
السفينة اللي جات
باش أنكافيها
باللوز والسكر
نطعم غاشيها (أي ناسها)
وبال******اد والعطر
نطلي سواريها
ونطلب ربي العزيز
للحج يدّيها
وهذه بوقالة للتشفي في الأعداء والفرح بالآتي :
حبطت إلى قاع الجنان
وفرشت زربية
حرقست بحرقوس الذهب
حتى الى وذنيّا
افرحي يا يمّا
سعدي ولّى ليّا
نتشفى في العدو
كما يتشفى فيّا
بوقالة في ألم الفراق ..
بعثت لك يا شباب
دموعي قرنفلة حمراء
ياعدو بن عدو
بدّلتني بامرأة
قال لي والله يا لالة
ما نبذلك بالغير
محبتك في قلبي
حتى يشيب الطير
في طلب القرب..
عندنا شجرة
معمرة بالياقوت
وعندنا فوّارة
معمرة بالحوت
اعطوني ابنتكم
أو نطيح نموت
البوقالات .............من العادات و التقاليد الجزائرية الثقافية